بَقَايا سَهْمٍ مَكسُورٍ في القلبِ
كُلَّمَا سَقَطَ مِن مِّصْرَ فِرْعَونٌ، خَرَجَ لَهَا فِرْعَونٌ آخَرَ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّ شَعْبَهَا قَدْ أَلِفَ عُبُودِيَّةَ الْبَشَرِ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَلَوْ حَرِصُوا عَلَى عُبُودِيَّةِ رَبِّ الْبَشَرِ، لَأَغْرَقَ لَهُمُ الْفَرَاعِنَةَ وَسَاسَهُمْ بِأَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ.
فَعَلَى الْإِصْلَاحِييِّنَ مَعْرِفَةُ مَوْطِنِ الدَّاءِ: إِنَّهُ فِي تَحْرِيرِ مَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، لَا إِصْلَاحَهُمْ بِالْمَنْطِقِ الْمَارْكِسِيِّ، وَهُوَ عِبَادَةُ الْبَشَرِ لِأَهْوَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.
-فَمُنْذُ ابْنِ سِرْشِشْمَةَ: "مُحَمَّد عَليّ"، وَلَا يَحْكُمُ "مِصْرَ" إِلَّا عَلْمَانِيّ.
وَهُمْ سَبَبُ سُقُوطِ الْخِلَافَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ الْمَجِيدَةِ، مَعَ سُقُوطِ آخِرِ الْحُكَّامِ الْمُحْتَرَمِينَ: عَبْدِ الحَمِيدِ الثَّانِي –رحمه الله-.
-وَتَأَمَّلْ قَوْلَ شَيْخِ شِيُوخِنِا الْعَلَّامَةِ الْمُطَهَّم، والْخِرِّيتِ النَّابِغَةِ الْمُعَظَّم، شَيْخِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُقَدَّم: أَبِي فهر محمود بن محمد شاكر في: "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا":
((إسناد ولاية مصر لمحمد علي))
كان "محمد علي سرششمة" هذا، الذي أُسند إليه أمرُ ولاية مصر في سنة (1805م، 1220 هـ)، في الخامسة والثلاثين من عمره.
وكان جاهلا لم يتعلم قطٌّ شيئا من العلوم، وكان لا يقرأ ولا يكتب، وقضى أكثر عمره تاجرا يتاجر في "الدخان"، ثم انضم إلى الجند، ولكنه كان ذكيا داهية عريق المكر، يلبس لكل حالة لَبُوسها، وكان مغامرا لا يتورع عن كذب ولا نفاق ولا غدر.
وفي أثناء مُقامه في مصر من سنة 1801م إلى سنة 1805م، يراقب اضطراب أمورها واختلال إدارتها، وبنظره الثاقب وذكائه، خالط المشايخ والقادة والمماليك الذين حاولوا العودة إلى ولاية الأمور في مصر، فنافقهم جميعا، وأظهر لجميعهم المودة والنصح وسلامة الصدر، حتى انخدع به المشايخ والقادة، وآثروا ولايته على ولاية المماليك، فنصَّبُوه واليا على مصر، وعلى رأس من انخدع به "السيد عمر مكرم" أكبر قائد للمشايخ والجماهير، فبذل كل جهده في إسناد ولاية مصر إليه، وكان ما أراد الله أن يكون.
لم يكن "الاستشراق، وخاصة "الاستشراق"الفرنسي، غافلا عن هذا المغامر الجديد وعن خلائقه".
اقْرَأْهَا كَثِيرًا كَثِيرًا
وأَعجَبُ مَا تَراهُ: غِيابُ الناسِ عن مَعرفةِ سببِ هذا البلاءِ العظيمِ.
بلْ أعظمُ مِنهُ: وقوعُهُمْ في صُنوفِ أسبابِ البلاءِ وقتَ البلاءِ.
وتَأَمَّلْ:
أُناسًا مَا زَالُوا يَدعُونَ إلَى الديموقراطيةِ بدلًا من الإسلاميةِ، وإلى الشرعيةِ بدلًا من الشريعةِ، وأناسًا داهَنُوا العلمانيينَ بدلًا منَ الإسلاميينَ المُخالِفينَ، وأناسًا حاربُوا أهلَ الاستقامَةِ أكثرَ من محاربتِهِمْ أهلَ الخِزي والندامَةِ.
وأُناسًا سِيماهُمُ النقدُ والثلْبُ، وآخرينَ دَعواهُمُ القتلُ والنهبُ.
-والدَّعوةُ إِلى التَّنصِيرِ والإلحادِ لَا نَظِيرَ لَها هَذا العَامِ، مُذْ أَشرَقتْ شَمسُ الإسلامِ في مِصْرَ، فَأَنارَتْها بَعدَما كانتْ كالِحَةً مُجْهَدةً كَوجْهِ الْحَيزَبُونِ.
- ومِن ثَمَّ: فكُلُّ انتخاباتٍ سَابِقةٍ ولَاحِقةٍ مَوضُوعَةٍ تحتَ الأقدام، وكَذا عَلَّمَنا نَبِيُّنا الهُمام.
لأنَّ الدُّستُورَ، ومَن يُنتَخَبُ لِيَحكُمَ بِهِ: "يمنعُ أي َّنظامٍ دِينيٍّ يَحكُمُ الدَّولَةَ"
ومعَ ذلكَ:
أليستِ العلمانيةُ دِينًا، والإلحادُ دِينًا، واللَّادِينُ دِينًا؟
فلماذا الإسلامُ وحدَه، هوَ الذي يُعتبرُ دِينًا؟
فلماذا الإسلامُ وحدَه الذي يَرهبُه العالَمُ بأَسرِهِ؟
فلماذا الإسلامُ وحدَه، الذي يُقلِقُ مَضاجِعَهُمْ؟
-فمِصْرُ دَولَةٌ إسلامِيّةٌ، والأصلُ أن تُحاكَمَ بالإسلامِ العظيمِ في شَتَّى مَناحِي الحياةِ، ولا عزاءَ للمنافقينَ، ولو كانَ: فَوالذي رفعَ السبعَ السمواتِ بلا عَمَدٍ، لقادَتْ مصرُ الأُمّةَ كُلَّها، وأَخرجَتْها منَ الذُّلِّ المُحيطِ بِها إحاطةَ السِّوارِ بالمِعْصَمِ.
-وإثباتُ أنَّ كلَّ ما يخالفُ الإسلامَ تحتَ الأَقدام، قَولُ نَبيِّنا الهُمام، في حَجَّتِهِ عَليهِ السَّلام:
"إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَإِنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ"
وكما قالَ قَيِّمُ الزمانِ في "بدائعه" مُنتَشِلًا بَقَايا سَهْمٍ مَكسُورٍ في القلبِ:
"لَمّا أعرَضَ النّاسُ عن تحكيم الكتابِ والسّنّة، والْمُحاكَمة إليهما واعتَقَدُوا عدمَ الاكْتِفَاء بهمَا وعدَلُوا إلَى الآرَاء والقِياسِ والاستِحسَانِ وأقْوالِ الشّيُوخِ، عرَضَ لهم من ذلكَ:
فَسَادٌ فِي فِطَرِهِم وظُلْمَةٌ في قُلُوبهم وكَدَرٌ فِي أفهامهم ومَحْقٌ في عُقُولهم .
وعَمَتْهُم هذه الأمورُ وغَلَبَت عَلَيْهِم ، حتّى رُبّيَ فيها الصّغيرُ وهرَمَ عليها الكبيرُ ، فَلَم يَرَوْهَا مُنْكَراً .
فَجَاءَتْهُم دَولَةٌ أخرَى قَامتْ فيها البِدَعُ مقَامَ السُّننِ والنّفْسُ مقَامَ العقْلِ، والهوى مقامَ الرّشْدِ، والضّلالُ مقَامَ الْهُدَى ، وَالْمُنكَرُ مقَامَ المعرُوفِ، والجهلُ مقامَ العِلم، والرّياءُ مقَامَ الإخلاصِ، والباطِلُ مقَامَ الحقّ، والكَذِبُ مقَامَ الصّدقِ ، والمداهَنَةُ مقَامَ النّصِيحة، والظّلمُ مقَامَ العدْل، فَصَارَت الدّولَةُ والغَلَبَةُ لهَذِهالأمورِ، وأهلُها هُمُ الْمُشَارُ إليهم، وكانت قَبْلَ ذلِكَ لأضْدادِها، وكانَ أهلُهَا همُالمُشارُ إليهم.
فإذا رأيتَ دولةَ هذِه الأمور قد أقبَلَتْ ورايَاتها قد نُصِبتْ وجُيُوشُها قد رَكِبَتْ، فَبَطنُ الأرضِ واللهِ خيرٌ منْظَهْرِها، وقُلَلُ الجِبالِ خيرٌ من السّهُولِ، ومُخالَطَةُ الوَحْشِ أسلمُ من مخالطَة النّاسِ .
اقشَعَرّت الأرضُ وأظلَمتِ السّماءُ وظَهَرَ الفَسَادُ في البرّ والبحرِ منْ ظُلْمِ الْفَجَرَةِ، وذَهبتِ البركات وقلّت الخيرات، وهَزَلَتِ الوجُوهُ وتكدّرت الحياةُ من فِسْقِ الظّلَمة، وبكى ضوءُ النّهار وظُلمةُ اللّيلِ من الأعمالِ الخبيثَة والأفعالِ الفَظِيعَةِ، وشَكَا الكِرامُ الكَاتِبُونَ والمعقّبات إلى ربّهم من كثْرَةِ الفَواحِشِ وغَلَبة المنكرات والقبائِح .
-وهذا والله مُنذِرٌ بسيْلِ عذابٍ قد انعقَدَ غَمَامُه ، ومُؤْذِنٌ بِلَيْلِ بلاءٍ قد ادلهمّ ظَلامُه ، فاعزِلُوا عن طريقِ هذا السّبيلِ بتوبة نصُوح ما دامت التّوبَةُ مُمكِنةً وبابُها مفتوح ، وكأنّكم بالباب وقد أُغلِقَ وبالرّهنِ وقد غَلِقَ وبالجنَاح وقد علقَ وَسَيَعْلَمُ الّذينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنقَلَ بٍ يَنْقَلِبُون" .
-اقْرَأْهَا كَثِيرًا كَثِيرًا ؛ فواللهِ إنَّها لَتَصِفُ لكَ السببَ الرئيسَ في سُقوطِ التَّمْكِين، وفي تَمكِينِ السُّقُوطِ منَ المُسلِمِين.
-فلَمَّا خالَفْنَا رَبَّنا حِينَما مَكَّنَ لَنا، أَخَذَنا بِخِلافِنا ونِسْيانِ أَمرِ رَبِّنا.
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}
فلابُدَّ منَ العودَةِ والأَوبَةِ والصَّبرِ، وَحِينَهَا تَكُونُ الْعَاقِبَةُ الْحَسَنَةُ:
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}.
صَدَقَ قَوْلُ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ
بقلم / أَبُو الْمَعَالِي الْرّئْبَالِي
(((نظرت إذا القوم حولي سكارى*** كأن الخمور ندى في الهواء )))
يعتَقِدُ بعضُ النَّاسِ أنّ انتِماءَهم الدِّينيّ يُحرَِرُهم مِن مسؤوليةِ التفكيرِ!
الحقُّ قوةٌ ..
لكنَّنا لا نَراهُ هكذا إلّا في حالاتٍ نادرَة لأنَّه حقٌ، يتألَّمُ دائماً ويجبُ أَن يُهزَمَ طالَما هو حَقٌّ، أمّا عندما ينتَصرُ هذا الحَقُّ فَنرى الآخرين يٌنصِتون إليهِ.
لِماذا؟
ألأنَّهُ حقٌّ؟
لا فلو كان لِهذا السَّببِ لانضمّوا إليهِ عِندَما كان يَتألَّم أيضاً.
ولِهذا السَّببِ فإنَّ عَدمَ انضمامِهم إليهِ لَيسَ للقوَّةِ التي يَمتَلِكها، إنَّهم يَنضَمّونَ إليهِ بَعدَ أن يُصبِحَ قوةً لأنَّ الآخرينَ يكونون قد سَبقوهم لِذلِكَ.
يرى الجبناءُ أن العجزَ فخرٌ * وتلكَ خديعةُ الطبعِ اللئيمِ
وكُلُّ شجاعةٍ في المرءِ تُغْنِيْ * ولا مثلَ الشجاعةِ في الحكيمِ
امر على الديار ديار ليلى -- اقبل ذا الجدار و ذا ا…[أكمل القراءة]
«لو كانت العبادة مجرد "الشعائر التعبدية"؛ ما استحق…[أكمل القراءة]
يقول العماد الاصفهاني، اني رايت انه ما كتب احدهم…[أكمل القراءة]
يقال: ان الحجاج كان اذا استغرب ضحكا والى بين استغف…[أكمل القراءة]
ذكر الادريسي في كتابه ( نزهة المشتاق في اختراق الا…[أكمل القراءة]
قال هلال بن العلاء: سيبلى لسان كان يعرب لفظه=فيا…[أكمل القراءة]
قال احمد شوقي في المعلم، قم للمعلم وفه التبجيلا -…[أكمل القراءة]
من الاوقاف الاسلامية المختصة بالمراة ( وقف الغاضبا…[أكمل القراءة]
لقد كثر شاكوك وقل شاكروك فاعتدل او اعتزل و السلام…[أكمل القراءة]
" استفت قلبك, والبر ما اطمانت اليه النفس, واطمان ا…[أكمل القراءة]